تحقيق وتصوير عصام البستاني
ذاع صيت بلدة اليمونة البقاعية بفضل مياهها العذبة ومناخها اللطيف, وهي التي كانت معروفة قبل العام 1936 حين كانت ارضها مغمورة كلها بالمياه وتشكل بحيرة كبيرة تحيط بها الجبال من كل ناحية وتعيش فيها انواع نادرة من الاسماك .
تقع بلدة اليمونة في سفح جبل المكمل الشرقي وعلى علو 1400متر عن مستوى سطح البحر يحدها من الشمال بلدة عيناتا من الشرق بتدعي ودير الاحمر جنوبا تحدها الزينية،
اما غربا فيحدها جبل المكمل, تنورين والعاقورة.
كان في اليمونة بركة طبيعية بطول 1500متر وعرض 1000متر وكانت تحتوي على ثروة سمكية هائلة يستفيد منها الاهالي كمورد عيش, وكانت البلدة قد اخذت اسمها من هذه المياه (اليمونة) وهي مشتقة من (يم) ويعني البحر الصغير ولكن لم يدم هذا الامر كثيرا حيث فقدت الثروة السمكية وجففت الاراضي التي كانت تغطيها تلك البركة .
كيف حصل ذلك ؟
في عهد الانتداب الفرنسي قررت الحكومة ثقب الجبل الشرقي بنفق يمتد 3000مترا الى قرية الدار الواسعة وذلك لري الاراضي الواقعة بين بلدة دير الاحمر شمالا والسعيدة جنوبا, ولما عارض الاهالي حرمانهم من مورد رزقهم تلقوا وعدا بان الارض التي ستجف مكان البركة ستصبح ملكا لهم وتعوضهم.
وبعد انتهاء المشروع تنكر المسؤولون في حينه للوعود وبقيت الاراضي (جمهورية) باستثناء حوالي مئة دونم سجلت تحت الرقم "واحد" باسم شخص من بلدة تنورين كان نافذا يومذاك وعلى علاقة بالسلطة .
بعد ان جفت البحيرة اعتبر الاهالي ان الاراضي الجافة اصبحت ملكهم كما وعدوا فنقلوا التراب اليها من امكنة بعيدة لان تراب البركة طمي ابيض (دلغام) لايصلح للزراعة, وبنوا الجدران على المجاري وغرسوا الاشجار المثمرة منذ العام 1936ولم يعترضهم احد .
انتجت تلك الارض اجود انواع التفاح في لبنان اشتهرت به اليمونة الى وقت قريب حيث يمتاز بالطعم المختلف والقدرة على التخزين كما يصنع منه افضل انواع خل التفاح الذي يطلب في الغالب للتداوي وللطعام .
اما ما يحصل اليوم فان الحكومة وبواسطة مجلس الانماء والاعمار ومنذ العام 2001 خططت لاعادة البركة عن طريق اقامة سد لتخزين مياه الينابيع وعلى الارض ذاتها التي جففت من قبل من دون النظر الى مصلحة الاهالي الذين نظموا وجودهم وحياتهم على ما باتت تجنيه هذه الارض من ثمار على اعتبار انها المصدر الوحيد للرزق وخطوة الدولة كانت على اعتبار ان تلك الاراضي (جمهورية).
وكان ان تداعى اثر صدور القرار أهالي اليمونة محتجين على سياسة التجاهل الحكومية لحقوقهم في التعويض العادل عن الخسائر التي ستلحق بهم جراء التنفيذ المرتقب لمشروع بركة اليمونة، وخصوصا ان هذا المشروع كما كل مشاريع الدولة خصوصا في البقاع حيث غالبا ما تكون مع وقف التنفيذ وهذا ما اربك الاهالي منذ سبع سنوات حيث البعض اقتلع اشجاره والبعض تركها دون اعتناء واخرون لم يجددوا نصوبهم بانتظار ما ستؤول اليه مصائر ارزاقهم .
الاستاذ نور الدين شريف قال لـ"الانتقاد.نت": "الاهالي يتملكهم اليوم شعور بالياس والاحباط لانهم لبنانيون, واذ تفهموا سابقا تنكر سلطة الانتداب لهم الا انهم لا يتفهمون ان ينتزع حقهم ويرغموا على الهجرة من بلدتهم في ظل دولة الاستقلال وفي عهد بناء دولة القانون والمؤسسات ومطالبهم هي مطالب وطنية محقة كان على الدولة تنفيذها اخذة بعين الاعتبار التعويض عن الخسارة التي ستصيبهم وتهدد وجودهم ولخص شريف مطالب الاهالي بالتالي:
1ـ التعويض على اصحاب الاراضي المستصلحة اسوة بالتعويض المقر لاصحاب العقار رقم واحد على ارض المشروع .
2ـ دفع ثمن الاشجار المثمرة المغروسة في الاراضي المستصلحة والتي سيطالها مشروع البركة وبالسعر العادل .
3ـ تمليك بلدية اليمونة شريط بعرض خمسين مترا على جوانب البركة لان البلدية ليس لها موارد وهذه مساحة تقام عليها مشاريع سياحية شرط ان يستفيد من ذلك اصحاب الاراضي التي شملتها البركة .
4ـ تمليك ما يتبقى من الاراضي الجمهورية لاصحابها ورفع الاشارات عن الاراضي المملوكة على جوانب البركة.
5ـ تسوية اوضاع البناء في البلدة واجراء مسح اختياري لكامل العقارات دون التقيد باجراءات حصر الارث.
6ـ توفير الضمانات البيئية والصحية لان تخزين المياه ستنتج عنه روائح وانتشار للبعوض والحشرات وهذا يسبب امراضا معدية.
7ـ حصر الوظائف على المشروع باهالي البلدة.
8ـ تخصيص نسبة من المياه تكفي لري الاراضي المحيطة بالمشروع والتي كانت تروى من الينابيع التي تصب في البركة.
9ـ المطلب الاساسي هو ترسيم الحدود بين بلدية اليمونة وبلدية العاقورة والقائمة منذ مئات السنين على طريق الوسط ومقلب المياه, ونلفت في هذا الجانب الى ان المساحة الجردية بين اليمونة والعاقورة هي مساحة خطرة اذ انها مزروعة بالالغام الارضية منذ الاحداث اللبنانية والتي زرعتها القوات اللبنانية ولم تقم الاجهزة الامنية حتى اليوم بازالتها ان كانت ما زالت قادرة على اكتشافها لطول زمن زرعها الا ان هناك لافتات تشير بوضوح الى وجود تلك الالغام وتحذر منها.
ابو علي يوسف شريف اوجز ببضع كلمات فقال: "نحن ظلمنا مرتين, مرة حين حرمنا الفرنسيون الثروة السمكية وجعلوا بيننا وبين القرى المجاورة خلافات حيث فرزت ارض العاقورة وتنورين وسجلت ولم تسجل ارضنا, وهذه المرة حيث يريدون اليوم ان يعيدوا غمر ارضنا بالمياه ليقضوا على اشجار التفاح.
بلدة اليمونة النائية لاتمتلك من الامكانات لاهلها سوى هذه المياه التي انعم الله بها عليه والتي كانت مصدر رزقهم وباستطاعتها ان تكون كذلك طيلة العمر بمشاريع سياحية وثروة سمكية وما شاكل, ولا شك ان في اقامة السد فوائد كثيرة لكن اذا لم يؤخذ بعين الاعتبار مصلحة الاهالي والتعويض العادل عن ارزاقهم وتامين عمل ابنائهم من خلال المشروع والاسراع في حسم الامر ودفع التعويضات, فان المشروع سيكون غمة عليهم وسيكونون كالعيس في البيداء يقتلها الظمى والماء فوق اقتابها محمول.
غربي بعلبك ــ رامح حمية
تعدّ محمية اليمونة مرتعاً للجمال الطبيعي النادر، وتمثّل معلماً سياحياً بارزاً ومقصوداً خلال مواسم الاصطياف بالنظر الى غنى المحمية بالآثار والنباتات، والحيوانات والطيور، ولكونها أيضاً تحتضن اكبر تجمع للمياه الجوفية العذبة في الشرق الاوسط، وهي احدى المحميات الطبيعية السبع في لبنان إذ أنشئت بقانون رقم 10/شباط 1999.
وتترامى محمية اليمونة الطبيعية في ثلاث محافظات: البقاع، وجبل لبنان، والشمال بمساحة تتجاوز 528 هكتاراً، وترتفع بتفاوت ما بين 1450 و3000 متر عن سطح البحر، الأمر الذي يجعلها تتمتع بخمسة اقاليم مناخية متنوعة، فمن جبلي بارد جداً (النظام الألبي) ومتوسطي معتدل، الى شبه صحراوي، فرطب.
التنوع المناخي جعل من المحمية ارضاً خصبة تزخر بغطاء نباتي كثيف ونادر. فقد اكتشف الدكتور ناصر شريف المختص في علم النبات، أكثر من 1750 نوعاً من النبات، بالإضافة الى 92 نوعاً محلياً تختص بها محمية اليمونة الطبيعية دون غيرها. ويرى شريف «ان المحمية تمتاز بشجر «اللزاب» (اكثر من 12 نوعاً) تمّت دراسة اربعة انواع منها فقط».
وأوضح شريف «ان هناك ارتباطاً نوعياً بين نباتات المحمية ونباتات جبال الألب (حشيشة الإوز)، ونباتات حوض المتوسط (الزعتر ـــ المريمية) نباتات إيران (الشيح) ونباتات المستنقعات الرطبة (القرّة).
اما بالنسبة الى موقع محمية اليمونة، بين جبال المكمل والمنيطرة وصنين، فقد جعل منها خزاناً طبيعياً للمياه الجوفية العذبة، فهي تقبع في منخفض جبلي يستقطب المياه. وأشار شريف إلى أن «المحمية من اغنى المحميات بالمياه لكونها تحتضن اكبر تجمّع للمياه العذبة في الشرق الأوسط، وهي تتميز بغزارة مياهها اذ يوجد فيها نحو 85 نبعاً مائياً اشهرها على الاطلاق نبع الاربعين الأثري. وتحتضن في مياهها العذبة سمكة اليمونة الذهبية والتي خصّها شريف بأنها لا توجد في اي مكان في العالم الا حصرياً في محمية اليمونة.
وتمثّل محمية اليمونة الطبيعية، سواء لناحية مساحتها الكبيرة ام لناحية غطائها النباتي والمائي الكثيف، الملاذ الآمن لعدد كبير من الحيوانات والطيور المقيمة والمهاجرة، بالإضافة الى الحشرات التي لم تتم دراستها حتى الآن.
وأشار شريف الى أن المحمية تزخر بالحيوانات التي النادرة، فقد شوهد فيها «دب» في عامي 1996 و 2004، يرجّح شريف فكرة ان فصيلته تعيش في وادي «شير الدبي» وهو واد يقع ضمن نطاق المحمية، معتبراً أن هذا النوع من الدببة هو امتداد للنوع الموجود في «غابات البسيط» في سوريا. ومن الحيوانات النادرة ايضاً، حيوان يطلق عليه اسم «الوشق».
وقد تم اكتشاف اكثر من تسعة انواع من الثدييات وثلاثة انواع من القطط البرية بمساعدة فريق عمل من الجامعة الاميركية، بالإضافة إلى الذئاب والضباع وينات آوى.
اللوحة الجمالية في محمية اليمونة الطبيعية اكتملت بآثار تعود الى حقب زمنية بعيدة (رومانية، بيزنطية، يونانية، وعربية) ومن هذه الآثار «معبد ادريانو» الذي يعود الى عام 134م. و«معبد إله الماء» وهذه الآثار تبعد عن قلعة بعلبك نحو 8 كيلومترات فقط.
الجدير ذكره أن هذه المحمية تعاني عدداً من المشاكل والمعوقات التي يحاول الاهالي والبلدية مواجهتها «بشق النفس» وبكل السبل والوسائل الممكنة. ويقول رئيس بلدية اليمونة طلال شريف إن «المحمية منسية ومحرومة من الدولة خلافاً لما هي عليه المحميات الست الاخرى». وأضاف ان «محمية اليمونة لم يتم تعيين لجنة رسمية لها ولا حتى حراس، إضافة إلى غياب اي دعم مادي أو مساعدة من وزارة البيئة من الهبات التي تقدمها الدول الاوروبية اسوة بباقي المحميات في لبنان والتي تتلقى الهبات بالملايين».